رقة أم سخرية ؟
غادة نبيل
جريدة الجمهورية
السبت 19 إبريل
كيف يقضي ولد وحيد الويك إند ؟! ..
ليس سؤالا بل عنوان لديوان الشاعر إبراهيم السيد
الصادر عن دار ميريت .. لم أر الشاعر ولا أعرفه
كالكثير ممن كتبت عنهم ..
معرفتي بهم "كتابية" أقرأ لهم و قد أراهم صدفة
بعد ذلك أو لا أراهم .
"جدران " قصيدة ذكية رفيعة فلسفية الحزن .
بينما سخريته التي بدأ بها القصيدة الأولي
و موضوعها طموحه الشعري بعنوان
" أريد أن أكتب قصيدة " و يحدد مواصفاتها..
هذه السخرية تلاحقه مضفرة نفسها مع عذوبة
المفردات بالمتن و خيال رقيق يجعله يستطيع أن يقول :
" الثانية عشر ظهرا / لا ينقصنا شيء لنصبح ملائكة / فقط /جناحان من ورق مقوي / أجساد متخففة من الرغبة / و صمغ ."
و يفتننا الشاعر بقصيدة عنوانها " غياب "
هي مجرد عبارات مقتصدة في حزن كبير ،
يرثي بشفافيتها رائقة البساطة أباه الميت في الصيف الفائت .
إنه يتحدث في قصائد أخري عن حبيبات برائحة
الفانيليا و الليمون لهن " خفة أرنب "
( كم يبدو هذا التشبيه شديد الجمال ! ) .
و إن كنت آخذ عليه أحيانا تكرار طرائق التعبير
أو بعض الصور فهو يعتمد كثيرا علي الكلام عن السماء
و الماء إلي حد ما ف الماء أزرق و القلب أزرق .
و أيضا يتكلم طوال الوقت عن الحلم ..
يتحدث عن الحالمين يقارنهم بمن
" كانوا يوما مثلنا / استسلموا " .
يحمل هوس الحلم ( مناما أو حلما للحياة و برفقتها )
عبر ديوانه لكن معهوديته بالسخرية
تعود في " هامش ثاني " ولا يخلو الديوان من إحالات رمزية
إلي سيدنا آدم و الأنبياء يوسف و إبراهيم .
كما أن الشاعر لا يستغني في نصه عن " فيروز "
هي حاضرة في غير قصيدة تارة برائعتها
"زعلي طول انا وياك / و سنين بقيت /جرب فيهن أنا أنساك / ما قدرت نسيت "
و تارة بالغناء التراثي مثلما تقول
" يا عاقد الحاجبين / علي الجبين اللجين / إن كنت تقصد قتلي / قتلتني مرتين "
و حبيبته التي صوتها كفيروز .
قد يكون الرهان هل ستغلب السخرية الرقة
أم العكس
و يأتي الشاعر بأمور تخجل منها ميليشيات قصيدة النثر في مصر .
و أقصد بهذا التصورات الحديدية عن ماهية الموضوعات
– فقط – التي " يجوز " الكتابة عنها
في هذه القصيدة التي جعلها هذا الفيلق أقرب للإدعاء
من خلال الإصرار علي وصفة ناسين أن أي وصفة و بنية مجهزة
تنفي الشعر بل أن بعض الشعراء مثل الشاعر عاطف عبد العزيز
يسمي ذلك ب " عامود " الشعر الذي يفترض أن يكون جديدا .
فما هي تلك الأمور التي قد تجعل شعر
ابراهيم السيد منفيا من جنة الشعر لدي
أهل " العامود " الجديد الذي يكفرون ( من التكفير و المروق )
المختلف عنهم باسم الاختلاف ؟
ربما تكون العذوبة و رقة الصورة و المفردة
بل هي بالتأكيد كذلك في نظر فيلق الخشونة
و دعاة جماليات القبح و بالتأكيد هي في نظرهم
مقولات مثل قوله بإحدى القصائد
" و رثاء آخر للحسين / لأن جرحه /جرحنا / في "كربلاء " / ما زال طريا "
و لكن كم أحببت قصائده شديدة الكثافة ذات السطرين أو أكثر
في " انتحار "
يهوي عليها رؤوسنا
" أن تعبر الجسر كله / في خطوة واحدة "
و يعود محتجا علي نفسه و علي الاهتمام بالسياسي
في قصيدة "روح طاهرة " لكن ذلك يبدو مؤكدا لا نافيا
لما أراد نفيه و تجاهله و كذلك فعل في ظهر اليوم الأول.
أحببت ديوانك يا ابراهيم .
غادة نبيل