أمل دنقل : سجين الرؤية القاصرة
صعب أن أكتب عن أمل دنقل بينما أبدأ أول خطواتي في الكتابة لأن أمل دنقل في " أوراق الغرفة 8 " و "تعليق على ما حدث" و " مقابلة خاصة مع ابن نوح " و " الجنوبي " و غيرها هو شاعر كبير.
أكبر من سجنه في دائرة " أمير شعراء الرفض " ؛ أكبر من كونه مجرد امتداد لشعراء القبيلة .
ما زال أمل دنقل بعد ربع قرن من وفاته سجين الرؤية القاصرة لكونه شاعر الشعار السياسي الزاعق
بينما أعطي أمل دنقل الدور الأول للدراما و الحبكة السردية و الأقنعة التي عرف من خلالها كيف يلتقط تحولات الشخصيات و المفارقة و السخرية ، كل هذا ما جعله مختلفا عن الغنائية الرومانسية التي سادت شعر التفعيلة .
الآن في 2008 بعد ربع قرن من وفاته أحد أصدقائي الماركسيين يدندن بمقاطع من شعر أمل دنقل هل هذا يعني أن ما كتبه أمل دنقل كشعار سياسي عابر للزمن ؟
أم أننا نعيش في مجتمعات راكدة لا تحل مشاكلها ؟
نقاوم التطبيع بينما لا نستعد للحرب ، نسخر من الحاكم بينما لا نفعل شيئا في مواجهته ما زلنا نخاف من أبانا الذي في المباحث ، و نكدس الأسلحة في طوابير العرض ، و نهتف " لا تصالح " بينما أنابيب الغاز تمتد للعدو تمده بالطاقة .
ما يشدني في شعرية أمل دنقل بالذات قصائده الأخيرة قدرته علي مواجهة الموت و الخراب بالسخرية ، بكاميرا سينما شديدة الحساسية لإلتقاط التفاصيل الصغيرة .و ما يجعل أمل دنقل بعيدا عني الآن هو اعادة نفس الكليشيهات الجاهزة عن دور الشاعر المقدس / النبي في التنبؤ بالهزيمة أو دوره السياسي الزاعق أحيانا كثيرة في تشكيل غضب الجماهير .ما يجعله بعيدا هو سجنه في دائرة الشعارات السياسية الساذجة بينما يتم تجاهل براءة و حساسية " الجنوبي " و " أوراق الغرفة 8 " .
شهادة عن الشاعر الكبير أمل دنقل نشرت بجريدة أخبار الأدب المصرية
إبراهيم السيد
2 Comments:
أفتكر على أنظمة حكوماتنا
دايما هتلاقي حد بيقول لأ بشعره
مهما كان فيه تغيير
التغيير عندنا معناه امتداد للمأساة أو وجه آخر ليها مش أكتر
"من قال لا فلم يمت
وظل روحاً أبدية الألم"
مش كدة؟؟
حلوة أوي يا إبراهيم
أنا بحب "أوراق الغرفة 8" برضه أوي، وبحب كل شعره، حتى السياسي الزاعق، وبحب تحوله لشعارات سياسية ممتدة، وأنا نفسي -زي صاحبك الماركسي- بستخدم منها أحيانا كتير لأنها بتعجبني فعلا، وده معناه اننا محلك سر أيوة بس خلاص هانت، الأمل قريب -ده رأيي السياسي يعني-، بالرجوع لدنقل، أنا مش مع أو ضد ان أمل دنقل حبس نفسه في معظم شغله في الشكل ده، ومعرفش لو كنت في ظروفه ضمن العوامل المجتمعية والسياسية والنفسية اللي مر بيها كنت هكتب كدا ولا لأ، لكني مبتهموش بالتقصير، في النهاية هو اختار اتجاه معين يكتب فيه. أنا مبحبش أوي فكرة ان الشاعر "المثالي" لازم يكتب عن كل حاجة في الدنيا، "ممكن يبقى عنترة لكن يكتب عن التلج مفيش مشكلة، لأنه شاعر!"، تمام زي ما بكره فكرة ان الشاعر لازم يكتب عن هموم مجتمعه وينسى أي حاجة شخصية شغلاه مش في السكة دي. بكره الفكرتين لأنهم بيتعاملوا مع الشاعر باعتباره المرشد المتنور، باعتباره "وسيلة" المجتمع سواء عشان يقرا عن الحاجات اللي ميعرفهاش، أو عشان يقرا عن همومه اللي عايشها، ودي شغلانة الرحالة -في الحالة الأولى- والسياسيين والمؤرخين -في الحالة التانية-، مش شغلانة الشاعر. لو الشاعر هيتعامل بمطنق العرض والطلب، والناس عايزة إيه -وفي كتير بيعملوا ده فعلا- هيبقى مشهور ونجم واوعى، لكن مش هيبقى شاعر. متهيألي شغلانة الشاعر انه يكتب عن أي تجربة تهمه في الدنيا وتأثر فيه وحابب يكتب عنها -بغض النظر عن أهميتها للمجتمع- بشرط يكون صادق، متهيألي عشان نحكم على الشاعر، مفروض نحاكم تجربته الشعرية بمعيار صدقها من عدمه. كل شعر دنقل اللي قريته حسيت فيه بصدق التجربة، يعني حسيت بانه مهموم باللي بيكتبه فعلا، سواء تصادف وجه على هوى الناس أو لأ.
عموما، مقالك حلو فعلا، إلى الأمام :)
إرسال تعليق
<< Home