ارتباك صباحي
عيوننا لا تستطيع رؤية سوي الجزء الواقع بين الأحمر والبنفسجي، أما الأجزاء الباقية من النسبة التي تصل إلى 95% من العالم فإننا لا نستطيع أن نراها .ربما أكتب لأحاول أن أري هذا العالم الخفي من حولنا ما تحت الأحمر و ما فوق البنفسجي عندما أكتب لا أملك في رأسي شيء محدد سوي صور ، صور لا تكف عن التتابع داخل رأسي .
-1-
في عتمة صالة سينما " مصر " في حفلة العاشرة صباحا يوم جمعة في شتاء 95 ، أنتظر بدأ الفيلم ، الذي لا أتذكر اسمه الآن .
أجلس وحيدا في قاعة سينما قديمة ، شهدت أيام عز غابر و أصبحت بيتا لعابري السبيل، المدمنين ، الشواذ ، طلبة المدارس الفنية ، طلبة الجامعة العمالية القريبة ، و طلبة مدرسة الأحمدية الثانوية العسكرية بنين ، صبية الميكانيكية يوم الأحد ، و في البلكون تجد طلبة كلية الأداب في وضع طبقي أحسن قليلا .
أجلس منتظرا لمدة ساعة ثم يدخل شخص لا تشك لوهلة إنه قد يخرج مطواه قرن غزال و يقتلك بلا شفقة لمجرد أن يجرب سرعته في إخراج النصل الحاد من مكمنه .
يعتذر بأدب لأن عامل السينما لم يجئ بعد و لن يحضر قبل الثانية ظهرا فتقول بصوت عالي مرتبك قليلا محاولا مداراة خوفك
" مفيش مشكلة حمشي و أجي بعدين " .
-2-
جالس مع أصدقاء في بار رخيص بوسط البلد مشغولا بمتابعة زبون آخر جالس هناك بجوارنا ، في منتصف الأربعينيات ربما ، هيئته هيئة موظف في هيئة النقل العام تاركا لحيته ، حليق الشارب ، وجه مصري عادي ، بقميص و بنطلون قادمين من فاترينات
" التوحيد و النور "
يبدو وجوده في المكان عبثيا يمسك كأس البيرة في يد و بيد أخري يأكل زيتون ك مزة و بجواره علي الطاولة جريدة الجمهورية
(كان يوم السبت و غالبا كان يقرأ ملحق دموع الندم )
فجأة في وسط نقاش بلا هدف ينكسر كأس البيرة في يدي ، هكذا بلا مقدمات
يسيل خيط الدم علي يدي ، أضحك ، أداري خجلي بضحك هستيري متقطع
كنت سعيدا بمنظر الدم و هو يسيل مختلطا بالبيرة ، أكاد أشعر بنفس النشوة الآن و أنا اتذكر المشهد .
-3-
يكتب
في نهاية تدوينته عن " بار نفرتيتي "
" ....الكحول , النميمة , التذكر , الحنين , الأصدقاء , الأنثى , الموسيقى , الصفاء , الرومانسية رغم أنف الآخرين , الحنق على أكاذيب التليفزيون , الصمت , الجنس , المشاريع السينمائية , لغة العيون , الدفء , كل هذا لا معنى له سوى أن وجودى عابر , طارئ , بلا نتيجة و بدون سبب فالوقت يمر و البيرة تسيل و تفاصيلى تنزف من وريد ممتلئ ..... "
لتكتمل الصورة ارتباكا أقرأ لأدونيس في ( مفرد بصيغة الجمع )
" أنا الطريق و العابر ، المرأي و الرائي
و لست أحظي بنفسي "
......................................
* في خلفية الكتابة يأتي صوت سيد الملاح ملئ بالبهجة و السعادة
" أنا أنا أبريق الشاي ..
أنا أنا أبريق الشاي
...........
كان في واحد اتنين تلاتة ،
عند اربعة ، خمسة
تاتاتااااا
راحوا لعم علي الحلواني
عاوزين بسكوت بالشكولاتة
راحوا لعم علي الحلواني
عاوزين بسكوت بالشكولاتة
بسكوت بالشكولاتة مفيش
يمكن عند البقال
البقال قال اشتروا سكر
خدوا بفلوسكم كلها سكر
أحلي شيئ في الدنيا السكر
حتي اسألوا أبريق الشاي "