أبو خليل ابن عبدالله الغريب و شهرته : سَيد العارفين / إبراهيم السيد

'But I don’t want to go among mad people,’ Alice remarked. 'Oh, you can’t help that,’ said the Cat: 'we’re all mad here. I’m mad. You’re mad.’ 'How do you know I’m mad?’ said Alice. 'You must be,’ said the Cat, 'or you wouldn’t have come here.’ (from "Alice in Wonderland" by Lewis Carroll)

صورتي
الاسم:
الموقع: Tanta, Egypt

أنا تايه مني و انا صغير .... بجد .

الخميس، مايو 18، 2006

الثقافة العربية




هل الثقافة العربية ثقافة عُنفية؟
أدونيس

-1-

في الثقافة العربية، كمثل غيرها من الثقافات، مشكلات كثيرة. غير أنها قد تنفرد بمشكلة تتمثل أساسياً في قراءة النتاج باللغة، فكراً وفلسفة، أدباً وشعراً وفناً، قراءة دينية، سياسية، بحيث يبدو هذا النتاج كأنه امتداد للصراع السياسي الإيديولوجي في المجتمع.
عندما يرفض المجتمع أن ينظر إلى هذا النتاج بوصفه بحثاً حراً ومستقلاً عن الحقيقة، أو من أجل مزيد من المعرفة، فإنه يحصره في إطار محدود، إطار الدلالة الدينية من جهة، والوظيفية السياسية من جهة ثانية.
هكذا لا يرى فيه إلا “مناسبة”، أو “وسيلة” لاستبعاد صاحبه، أو لتقريبه. فإذا كانت هناك “مخالفة” لما هو سائد، سياسياً، عُدَّت هذه المخالفة مناوأة وعداءً، ووصمت بأنها “عمالة” أو “تخريب”.. إلخ.
والشأن نفسه، في ما يتعلق بالقضايا الدينية: لا ينظر إلى ما يقوله “المجتهدون” بوصفه آراء حرة للمناقشة، وإنما بوصفه “زندقة” أو “ردة”، أو “كفراً”.. إلخ.
في الحالين، يتعطل الحوار، والحق هو أننا نفتقد الحوار الحقيقي في المجتمع العربي. هناك “هيمنة” تتمثل في طرف أو أطراف، وهناك “خضوع” أو “مسالمة” و”مسايرة” تتمثل في طرف أو أطراف، هكذا يبدو أن “العنف” كامن في بنية الثقافة العربية السائدة: عنف الاستئثار، والواحدية، عنف الإقصاء أو التقريب، عنف الانغلاقية واليقينية.

-2-

إذا كان النص العربي، أياً كان، لا يقرأ بوصفه أفقاً معرفياً، وإنما يقرأ بوصفه، على العكس، أفقاً سياسياً، فإن ذلك يعني أن الهاجس الأساس الذي يحرك الذات القارئة إنما هو هاجس “الجذب”، جذب النصير، أو هاجس “النبذ”، نبذ المخالف، كأن هذه الذات لا ترى نفسها إلا في شهوة الهيمنة: إما أنها “تقرب” و”تتبنى”، وإما أنها “تستبعد” و”ترفض”. أو كأنها لا تقرأ لكي “تعرف” و”تكتشف”، بل لكي “تتملك” وتعمق انتماءها الأولي، وتتأكد من “قرب” ما تقرؤه إليها، أو “بعده” عنها. فهذه الذات هي، في المقام الأول، ممارسة سياسية سلطوية.
وطبيعي، إذاً، أن يُشيع هذا الهاجس في حركة القراءة، نوعاً من “الرعب” أو “الاجتناب”: وما أكثر الذين “يُرفعون” و”يُقدمون”، دون حق، أو “يخفضون” و”يؤخرون”، كذلك، دون حق.
-3-
هذه مسألة أشرت إليها، بشكل أو آخر، في مقالات سابقة. غير أنني لم أتوقف عندها طويلاً، ذلك أنها تحتاج إلى دراسات متعددة، ومن منظورات متنوعة، ولا أظن أن هذه الزاوية تصلح لكي تكون مكاناً لها.
ولست أريد هنا، كما قد يظن بعضهم، أن أفصل بين المعرفة والسياسة، فهما في علاقة متلازمة، قليلاً أو كثيراً، بشكل أو آخر، وإنما أريد أن أشير إلى خلل في هذه العلاقة يؤدي إلى إعطاء الأولية المطلقة لما هو سياسي، مما “يحجب” النص، محولاً إياه إلى ساحة للصراع، مخرجاً إياه من إطاره البحثي المعرفي أو الفني الجمالي، وفي هذا يتحول النص إلى “معركة” وإلى “سلاح”، بدلاً من أن يبقى “لقاء” و”ميداناً” للتفاعل، والتعارف.
ولعل في هذا الخلل ما يوضح الحرص على استمرار “الرقابة”، داخل ثقافتنا، وعلى “التحريم” و”التحليل”، وعلى الإعلاء من رأي “الجماعة” مقابل رأي “الفرد”.
لعل فيه كذلك ما يوضح أن “صراعنا” الثقافي ليس “فكرياً” أو “فنياً” بالمعنى الدقيق، وإنما هو صراع “انتماءات” سياسية وإيديولوجية، لكي لا نقول إنه صراع “قبائلي” تحت غطاء الثقافة.
لعل في هذا الخلل، أخيراً، ما يفسر أن “الفكرة” التي تخالف “رأي الجماعة”، قد تشعل “حرباً”، في معزل كامل عما يمكن أن تحمله هذه الفكرة من “الحق”.

-4-

كنت أشرت كذلك إلى أن هذه القراءة السياسية تأسست ونمت في الدين وصراع الانتماءات الدينية، وإلى أنها ازدادت خطورة وتعقيداً بنقلها إلى ميادين الأدب والفكر والفلسفة، مما نعرفه جميعاً في تاريخنا الثقافي.
وصحيح أن تاريخ الثقافات لدى الشعوب الأخرى، وبخاصة ما ارتبط منها بالرؤية الوحدانية للإنسان والعالم، عرف هذه المشكلة. لكن، صحيح كذلك أن هذه الشعوب، وعلى الأخص في الغرب الأوروبي، حققت “ثوراتها” الخاصة في الفصل بين “الديني” و”المدني” فحققت بذلك الفصل الآخر بين “السياسي” من جهة، و”الأدبي والفكري والفلسفي” من جهة ثانية، بينما نحن، في الثقافة العربية - الإسلامية، لا نزال في طور “الطموح” إلى تحقيق مثل تلك “الثورة”!

-5-

لماذا تهيمن على ثقافتنا وحياتنا قراءة النص الديني، قراءة سياسية؟ إنه سؤال ملح، خصوصاً أننا نشهد اليوم، في ظل هذه الهيمنة، حركة هائلة من “الاستيلاء” على النص الديني، من “احتكاره” و”تحديده” و”توظيفه” في “مآرب” و”أهداف” و”حروب”، ومن “تحويله” إلى “أداة” للسلطة، والقهر، والقتل؟ ولماذا لا نعتبر بتلك الفواجع الكبرى في تاريخنا، تلك التي سببتها تحديداً هذه القراءة السياسية للنص الديني؟
فواجع الحروب الكثيرة العربية - العربية، والتي لم تكن مجرد حروب فكرية، وإنما كانت كذلك سياسية واقتصادية وعسكرية، دمرت العرب، واستنفدت طاقاتهم، وفتتتهم، شيعاً وقبائل؟
ولماذا لم تتوقف هذه القراءة عند حدود النص الديني، وإنما تجاوزتها إلى الأدب والفن والفكر والفلسفة؟ فلئن كانت القراءة السياسية للنص الديني تصل اليوم إلى أوجها الملتبس، المعقد، وبخاصة في كل ما يتصل بالآخر غير المسلم، فإن هذه القراءة تصل كذلك إلى أوجها الملتبس المعقد في كل ما يتعلق بالنصوص الأدبية والفكرية، الفنية والفلسفية.

عن مجلة دبي الثقافية
العدد 12 الصادر في 1/5/2006


View My Stats